سورة فاطر - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فاطر)


        


{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} من القبور. قوله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} قال الفراء: معنى الآية من كان يريد أن يعلم لمن العزة فلله العزة جميعا. وقال قتادة: من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله معناه الدعاء إلى طاعة من له العزة، أي: فليطلب العزة من عند الله بطاعته، كما يقال: من كان يريد المال فالمال لفلان، أي: فليطلبه من عنده، وذلك أن الكفار عبدوا الأصنام وطلبوا به التعزير كما قال الله: {واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزًا كلا} [مريم- 81]، وقال: {الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا} [النساء – 139].
{إِلَيْهِ} أي: إلى الله، {يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} وهو قوله لا إله إلا الله، وقيل: هو قول الرجل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، أخبرنا أبو جعفر الرياني، أخبرنا حميد ابن زنجويه، أخبرنا الحجاج بن نصر، أخبرنا المسعودي عن عبد الله بن المحارق، عن أبيه، عن ابن مسعود قال: إذا حدثتكم حديثا أنبأتكم بمصداقه من كتاب الله عز وجل: ما من عبد مسلم يقول خمس كلمات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وتبارك الله، إلا أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيي بها وجه رب العالمين، ومصداقه من كتاب الله عز وجل قوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ذكره ابن مسعود. وقيل: {الكلم الطيب}: ذكر الله. وعن قتادة: {إليه يصعد الكلم الطيب} أي: يقبل الله الكلم الطيب.
قوله عز وجل: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} أي: يرفع العمل الصالح الكلم الطيب، فالهاء في قوله يرفعه راجعة إلى الكلم الطيب، وهو قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، وعكرمة، وأكثر المفسرين.
وقال الحسن وقتادة: الكلم الطيب ذكر الله والعمل الصالح أداء فرائضه، فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، فمن قال حسنًا وعمل غير صالح رد الله عليه قوله، ومن قال حسنا وعمل صالحًا يرفعه العمل ذلك بأن الله يقول: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} وجاء في الحديث: «لا يقبل الله قولا إلا بعمل ولا قولا ولا عملا إلا بنية». وقال قوم: الهاء في قوله: {يرفعه} راجعة إلى العمل الصالح أي: الكلم الطيب يرفع العمل الصالح، فلا يقبل عمل إلا أن يكون صادرًا عن التوحيد، وهذا معنى قول الكلبي ومقاتل.
وقيل: الرفع من صفة الله عز وجل معناه: العمل الصالح يرفعه الله عز وجل.
وقال سفيان بن عيينة: العمل الصالح هو الخالص، يعني أن الإخلاص سبب قبول الخيرات من الأقوال والأفعال، دليله قوله عز وجل: {فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} [الكهف – 110]، فجعل نقيض الصالح الشرك والرياء، {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ} قال الكلبي: أي: الذين يعملون السيئات. وقال مقاتل: يعني الشرك. وقال أبو العالية: يعني الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة، كما قال الله تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك} [الأنفال- 30].
وقال مجاهد: وشهر بن حوشب: هم أصحاب الرياء. {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} يبطل ويهلك في الآخرة.


قوله عز وجل: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} أي: آدم، {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} يعني: نسله، {ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} ذكرانًا وإناثًا، {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ} لا يطول عمره، {وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} يعني: من عمر آخر، كما يقال لفلان عندي درهم ونصفه أي: نصف درهم آخر، {إِلا فِي كِتَابٍ} وقيل: قوله: {ولا ينقص من عمره} منصرف إلى الأول، قال سعيد بن جبير: مكتوب في أم الكتاب عمر فلان كذا وكذا سنة ثم يكتب أسفل من ذلك ذهب يوم ذهب يومان ذهب ثلاثة أيام حين ينقطع عمره. وقال كعب الأحبار حين حضر عمر رضي الله عنه الوفاة: والله لو دعا عمر ربه أن يؤخر أجله لأخر، فقيل له إن الله عز وجل يقول: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف- 34] فقال: هذا إذا حضر الأجل فأما قبل ذلك فيجوز أن يزاد وينقص، وقرأ هذه الآية {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} أي: كتابة الآجال والأعمال على الله هين. قوله عز وجل: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} يعني: العذب والمالح، ثم ذكرهما فقال: {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} طيب، {سَائِغٌ شَرَابُهُ} أي: جائز في الحلق هنيء، {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} شديد الملوحة. وقال الضحاك: هو المر. {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} يعني: الحيتان من العذب والمالح جميعا، {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً} أي: من المالح دون العذب {تَلْبَسُونَهَا} يعني اللؤلؤ. وقيل: نسب اللؤلؤ إليهما، لأنه يكون في البحر الأجاج عيون عذبة تمتزج بالملح فيكون اللؤلؤ من بين ذلك، {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} جواري مقبلة ومدبرة بريح واحدة، {لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} بالتجارة، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الله على نعمه.


{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} يعني: الأصنام، {مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} وهو لفافة النواة، وهي القشرة الرقيقة التي تكون على النواة. {إِنْ تَدْعُوهُمْ} يعني: إن تدعو الأصنام، {لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} ما أجابوكم، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} يتبرؤون منكم ومن عبادتكم إياها، يقولون: ما كنتم إيانا تعبدون. {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} يعني: نفسه أي: لا ينبئك أحد مثلي خبير عالم بالأشياء. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} إلى فضل الله والفقير المحتاج، {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} الغني عن خلقه المحمود في إحسانه إليهم. {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} شديد. {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} أي: نفس مثقلة بذنوبها غيرها، {إِلَى حِمْلِهَا} أي: حمل ما عليه من الذنوب، {لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} أي: ولو كان المدعو ذا قرابة له ابنه أو أباه أو أمه أو أخاه. قال ابن عباس: يلقى الأب والأم ابنه فيقول: يا بني احمل عني بعض ذنوبي. فيقول: لا أستطيع حسبي ما علي.
{إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ} يخافون، {رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} ولم يروه. وقال الأخفش: تأويله أي: إنذارك إنما ينفع الذين يخشون ربهم بالغيب، {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى} صلح وعمل خيرا، {فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} لها ثوابه، {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5